مراجعة كتابَيْ فايز الكندري وآندي وورثينقنتون
January 7, 2025•783 words
كتاب البلاء الشديد والميلاد الجديد للمعتقل الكويتي السابق بغوانتاموا فايز الكندري من أحسن ما قرأت في أدب السجون. للكاتب حسٌّ مرهف، وعقل فَطِن، وقلبٌ ثائر. لم أكن أنوي قراءته كلّه في البداية لكِبَرِ حجمه، ولكن قراءة المقدمة شدّتني إليه، ولم أجد نفسي إلا وقدأتتمته، وإني لأنوي إن شاء الله إعادة قراءته.
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر دخلت الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها الغرب في هستيريا، بدأت بغزو أفغانستان والعراق وانتهت بالخروج منهما مهزومة استراتيجية وأكثر ضعفا. أراد صناع القرار في أمريكا بسط هيمنتهم بشكل أكبر على المشرق العربي، فكان غوانتناموا من الأدوات التي اُستعملت لحبس أكبر عينة من المسلمين من مختلف أقطار العالم ليس لمعرفة المسؤول عن الأحداث فقط، ولكن لفهم العالم الإسلامي أيضا والتغلغل في عقليتهم، فجَمع غواانتناموا في ذروته أكثر من 800 سجين مسلم من أكثر من 50 دولة حول العالم، وتم تجريدهم من انسانيتهم وحبسهم في خليج خارج الحدود الأمريكية حتى يتم تعذيبهم بشتى الوسائل المبتكرة بغطاء قانوني.
يروي الكتاب الكثير من التفاصيل، منها؛ كيف كان أيُّ عربي الملامح يُباع في افغانستان وباكستان كالرقّ للأمريكان بشكل مجنون، يشمل ذلك عمّال الإغاثة ومشايخ القرآن وأعضاء الجمعيات الخيرية، وقد اعترف بذلك برويز مشرف نفسه في مذكراته، الذي كان رئيس وزراء باكستان أنذاك، عندما قال إن باكستان حصَّلت ملايين الدولارات من "تسليم" العرب لأمريكا... ومنها؛ طرق الإهانه والضرب والسب والتعذيب النفسي والجسدي..الخ ... ومنها؛ كيف أن السجناء فرحوا بتوفير القرآن في زنازينهم ليتفاجؤوا بعد ذلك أن الهدف منها كان إهانة القرآن عند التفتيش والعقاب... ومنها؛ الحورات الشيّقة من عصارة الألم بين السجناء أنفسهم، وبين السجناء وسجانيهم، وبين السجناء ومحاميهم، وبين السجناء و"قُضاتهم"... ومنها؛ طُرُقُ المقاومة والصّمود التي اتَّبعها السُّجناء والتي كانت تنجح أحيانا، كالإضراب عن الطعام... وغيرها الكثير مِمَّا لا يَسعني حصره هنا.
أنصح كثيرا بقرائته، فالكتاب -كما وصفه محمد بن محمد الأسطل- "فيه نَفَسٌ تاريخيُّ، وعمقٌ فكري وسياسيٌّ، وعبقٌ إيماني روحاني".
أثار كتاب الكندري فُضولي بشكل كبير، وتذكَّرت أني تابعت حلقات البودكاست "The Other Latif" من إنتاج RadioLab قبل أكثر من أربع سنوات (رابط البودكاست أدناه)، وأردت معرفة المزيد عن هذا المعتقل وظروفه وسجَّانيه ومسجُونيه الآخرين وقصّته من البداية، فلم أجد أفضل من كتاب "ملفات قوانتاموا The Guantanamo Files" لمؤلفه الصحفي الاستقصائي البريطاني "أندي وورثينقتون Andy Worthington" الذي كرّس حياته المهنية كلَّها لتغطية أخبار هذا المعتقل ومَسْجُونيه منذُ فَتْحِه بدايةَ 2002، ومازال هذا الصحفي لحدّ اليوم يُتابع أخباره ويشنر مقالاته على موقعه الخاص، وقد أطلق حملة شهيرة مازالت نشطة إلى اليوم لإغلاق هذا المعتقل البَشِعْ.
كتاب "ملفات قوانتاموا" الذي صَدَرَ سنة 2007 هو خلاصة متابعة حَثيثة واطّلاع عميق للكاتب على أخبار المعتقل وكذلك ماعُرف في ذلك الوقت "الــ.ـحـ.ـرب على الإرهـــ.ـــاب" التي أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية عَقِب هجـــ.ـمـ.ـات الحــ.ــادي عشر من سبتمبر بجنون وشهوة انتقامية على كل ماله علاقة بالإسلام (كما يبين الكتاب من خلال القصة المشهورة لخطف الجزائريين الستة في البوسنة ،وملاحقة موظفي جميع الجمعيات الخيرية الإسلامية كمؤسسة الحرمين ومؤسسة الوفاء الشهيرتان،واعتقال أي شخص يتم التبليغ عنه دون أدنى تحقيق حتى الأطفال... في الكتاب قصص مضحكة، وشر البلية مايضحك، أين اثنان بلَّغا عن بَعْضهما كَذِبًا ليجدا نَفْسَيْهِمَا في المعتقل مع بعض، وأين وجد المحققون أنفسهم أمام مسجونين مجانين... واين كافئت المخابرات البريطانية أحد مُخْبِيريها المسلمين بِتًسْلميه لأمريكا ليُرسل لغوانتاموا سجيناً...الخ). غاص الكاتب بالتفصيل في سجِّلات مَحاضر "اللُّجان القضائية العسكرية" الصورية بالمعتقل، التي تم نشرها سنة 2006 بموجب قرار رفع الحظر استنادا لمايعرف بقانون Freedom Of Information Act (FOIA)، حَوَتْ هاته المحاضر أكثر من عشرة آلاف صفحة من حوارات المعتقلين (الأكثر من 700) مع "القضاة العسكريين" .
توفي على الأقل أربع معتقلين في غوانتاموا جرَّاء التعذيب (السلطات الأمريكية قالت انهم انتحروا)، وجُن جنون بعضهم. هنالك معتقل جزائري جنّت زوجته المسكينة في شوارع بريطانيا بعد اعتقاله دون دليل وترحيله لغوانتاموا، وكانت المخابرات البريطانية تتابعها وتهدد أي شخص يحاول مساعدتها. بقي الآن 23 معتقلا في غوانتاناموا، بعد أن تم الإفراج عن 11 معتقلا البارحة، وقبلها بحوالي أسبوعين تم الإفراج عن تونسي لبلده كان قد رفض قبلها بسنين الترحيل لغير وطنه، و قد تحدث عنه الكندري في مذكراته.
تم تعذيب ابن الــ.ــشــ.ـيخ الـ.ـلـ.ـيبي في افغاتنستان وغوانتاناموا تعذيبا شديدا، ولكن عندما لم يُصَرّح بما يريدون أن يسمعوه رحّلوه إلى مصر ليُواجه تعذيبا أشد و أنكى، أين أسمعهم مايريدون بأن القـ،ـ،ـاعـــ.ـدة لها علاقة مباشرة بصــ.ــدام حسين، وهو أحد "الاعترافات" الذي استعملها كولن باول في خطابه الشهير بالأمم المتحدة لإقناع العالم بضرورة غزو العراق. لم تكن مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي تمَّ الاستعانة بها لتعذيب المعتقلين، لقد شَمَلَتِ القائمة كلاًّ من الأردن والمغرب وحتى سوريا كما ذكر الكتاب. وكُلُّنا نتذكّر، في بداية حرب الإبــ.ـادة الإسرائــ.ـيــ.ـلية على غــ.ـزة، ماقاله مستشار أوباما السابق لشؤون الشرق الأوسط "ستيوارت سولدويتز Stuart Seldowitz" لبائع القاطرة المصري في واشنطن عندما هدده بأن المخابرات المصرية سوف تعذب والده.
أنتجت "مؤسسة قرافل The Gravel Institute" كذلك فيديو تعريفي مميَّز عن المعتقل "أبو زبــ.ـيــ.ـــدة" الذي استعملت اعترافاته تحت التعذيب لتبرير الحرب على العراق أيضا (الرابط مرفق أدناه).
أنصح بقراءة الكتاب أيضا، فقد استطاع الصحفي اختصار الكثير عن المعتقل في حوالي 300 صفحة.
https://www.wnycstudios.org/podcasts/radiolab/articles/other-latif-episode-1