الشيخ البشير الإبراهيمي

قبل بضعة أيام، وبالتحديد يوم 20 ماي، مرت الذكرى السابعة والخمسين لوفاة الشيخ البشير الإبراهيمي (1889- 1965م)، أحد رموز الإصلاح الجزائريين وقطب من أقطاب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين نواة ثورة التحرير الجزائرية.عُرف البشير الإبراهيمي بذاكرته القوية ونبوغه الأدبي منذ صغره أين تولى خاله العناية به وتنمية مواهبه الأدبية والفنية ليصبح شاعرا وأديبا وصحفيا ومفكرا وثائرا. رغم أن أغلب الفترة التي عاشها البشير الإبراهيمي كانت تحت الإستعمار الفرنسي للجزائر إلا أن ذلك لم يمنعه أو يشغله من أن تحتل فلسطين حيزا كبيرامن أفكاره وبياناته ومواقفه و كتاباته،إذ كتب مناديا فلسطين من الجزائر بمشاعر جياشة : "يا فلسطين! إن في قلب كل مسلم جزائري من قضيتك جروحاً دامية، وفي جفن كل مسلم جزائري في حقك كلمة مترددة هي: فلسطين قطعة من وطني الإسلامي الكبير قبل أن تكون قطعة من وطني العربي الصغير، وفي عنق كل مسلم جزائري لك - يا فلسطين - حق واجب الأداء، وذمام متأكد الرعاية، فإن الذنب ليس ذنبه، وإنما هو ذنب الاستعمار الذي يحول بين المرء وأخيه والمرء وداره، والمسلم وقبلته".

كان البشير الإبراهيمي رحمه الله يحث كل المسلمين والعرب على الذود عن فلسطين، إذ يقول :"إن الواجب على العرب لفلسطين يتألف من جزأين: المال والرجال، وإن حظوظهم من هذا الواجب متفاوتة بتفاوتهم في القرب والبعد، ودرجات الإمكان وحدود الاستطاعة ووجود المقتضيات وانتفاء الموانع، وإن الذي يستطيعه الشرق العربي هو الواجب كاملا بجزأيه للقرب الصريخ، وتيسر الإمداد... واجب الدول العربية التصميم الذي لا يعرف الهوادة، والاعتزام الذي لا يلتقي بالهوينا، والحسم الذي يقضي على التردد... وواجب زعماء العرب أن يتفقوا في الرأي ولا يختلفوا... وأن يوجهوا بنفوذهم جميع قوى العرب الروحية والمادية إلى جهة واحدة هي فلسطين... وواجب كتّاب العرب وشعرائهم وخطبائهم أن يلمسوا مواقع الإحساس ومكامن الشعور من نفوس العرب، وأن يؤججوا نار النخوة والحمية والحفاظ فيها،... وواجب شعوب الشرق العربي أن تندفع كالسيل وتصبِّح صهيون وأنصاره بالويل، وأن تبذل لفلسطين ما تملك من أموال وأقوات.... والله يميناً بره لو أن هذه القوى - روحيها وماديها - انطلقت من عقالها وتضافرت وتوافرت، لدفنت صهيون ومطامعه وأحلامه إلى الأبد". أما عرب ومسلموا الشمال الإفريقي فيرى: "أن عليهم لفلسطين حقا لا تسقطه المعاذير، ولا تقف في طريقه القوانين مهما جارت، ومهما كانت فرنسية من (ماركة) (خصوصي للمستعمرات) هذا الحق هو الإمداد بالمال، ومن أعان بالمال فقد قام من الواجب بأثقل شطريه... إن فلسطين ليست في حاجة إلى آرائنا... وليست في حاجة إلى رجالنا فلها من أشبالها وممن والاهم عديد الحصى".

وكتب مقالا في أحد الأعياد مابعد النكبة بعنوان "أي عيد لمن ضيع فلسطين؟" حزنا على ماجرى للفلسطينين في تلك الفترة، بالإضافة إلى معاناة إخوانهم الجزائريين تحت وظأة الاستعمار الفرنسي لأكثر من قرن، إذ استهله بهاته الأبيات:"

للناس عيد ولي هَمّان في العيد
فلا يغرنك تصويبي وتصعيدي
همّ التي لبثت في القيد راسفة
قرناً وعشرين في عسف وتعبيد
وهمّ أخت لها بالأمس قد فنيت
حماتها بين تقتيل وتشريد"

مع كل هذا الحزن والهم والحسرة لم يفقد الشيخ البشير الإبراهيمي الأمل والرجاء في استعادة فلسطين من المغتصبين الصهاينة، ففى معرض المقارنة بين "العرب واليهود في الميزان عند الأقوياء" يرى أن الأقوياء وازنوا بين ما نملك من قوى مادية، وبين ما يملك الصهيونيون من ذلك "فأنتجت لهم المقدمات هذه الحقائق: وهي أننا لا نملك مصنعا للسلاح ولا معملا للكيمياء، ولا رجالا فنيين كالذي يملكه اليهود من كل ذلك، وأن ثلاثين سنة مرت (أي منذ وعد بلفور) - وكلها نذر بهذه العاقبة - لم توقظنا من غفلتنا، ولم تدفعنا إلى الاستعداد لها، فقالوا: نقسمها، ولا نخشى العرب لأنه ليس فيهم مضرة مؤجلة"، ثم يخلص إلى أنه "فات أولئك البانين لكل شيء على الماديات أن هناك سلاحا أمضى من جميع الأسلحة المادية، وأنه الشرط الأول في نفعها وغنائها، وهو سلاح الروحانيات، من إيمان بالحق، واعتداد بالنفس، وحفاظ على الكرامة، وتقديس للشرف، وإباء للضيم، ومغالاة بالتضحية والفداء، واستخفاف بالظلم والظالمين، وفاتهم أن العرب وإن نَزُر حظهم من القوى المادية التي لا يستهين بها إلا جاهل، فإن حظهم موفور من القوى الروحية التي لا يستهين بها إلا مغرور".

تم تجميع أعمال كتاباته ومقالاته حول فلسطين في كتاب بعنوان فلسطين تحت إشراف مركز الإعلام العربيِّ بالقاهرة ضمن سلسلة كتاب القدس. وفام نجله طالب الإبراهيمي بتجميع ٱثاره في خمسة أجزاء تحت عنوان ٱثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي.

توفي البشير الإبراهيمي يوم 20 ماي 1965 وهو -للأسف الشديد- تحت الإقامة الجبرية، لمعارضته علنا المسار الذي اتخذته البلاد بعد الاستقلال.